نظام التوقيت المنضبط (just in time) أحد المواضيع الحديثة لمحاسبة التكاليف أرجو أن يفيدكم
نظام التوقيت المنضبط
تحتفظ الشركات الصناعية بثلاثة أنواع من المخزون وهي : المخزون من المواد الخام الأولية، والمخزون من الإنتاج تحت التشغيل، والمخزون من الإنتاج التام. وعلى الرغم من زيادة التكاليف التي تتحملها الشركات بسبب وجود هذا المخزون، إلا أن وجوده يعتبر ضرورياً في ظل ظروف الإنتاج التقليدية نتيجة للعوامل الآتية:
1. عامل الجودة : تحتفظ الشركة بالمخزون كإحتياط أمان لضمان التدفق المنتظم للعمليات في حالة عدم جودة المواد الخام والأجزاء أو في حالة التعطل المفاجئ في أي مرحلة أو خلية من خلايا الإنتاج. فوصول مواد خام غير مطابقة لمواصفات الجودة لن يؤدي إلى توقف الإنتاج وذلك نظراً لوجود مخزون كافي من هذه المواد. كما أن توقف الإنتاج في المرحلة أو خلية السابقة لن يؤدي إلى توقف الإنتاج في المراحل أو الخلايا التالية نتيجة لوجود مخزون من الأجزاء و الإنتاج تحت التشغيل متراكم أمام كل مرحلة أو خلية إنتاجية.
2. وقت إعداد الآلات : يؤدي طول الفترة الزمنية اللازمة لإعداد الآلات و الإنتقال من دورة إنتاج إلي أخرى إلي الحاجة إلي الإحتفاظ بكميات كبيرة من المخزون في نظم الإنتاج التقليدية . فزيادة طول الفترة الزمنية اللازمة للإعداد للإنتاج تؤدي بالضرورة إلي زيادة حجم الإنتاج في كل دورة وذلك لتقليل عدد مرات الإعداد بقدر الإمكان . ولا شك أن جزء كبير من هذا الإنتاج الزائد سيبقى في صورة مخزون.
3. عدم التاكد مع الموردين : قد يحدث أي تأخير من الموردين في تسليم المواد والأجزاء في المواعيد المتفق عليها. أو أن تأتي المواد في مواعيدها ولكنها غير مطابقة للمواصفات . لذلك يتم الاحتفاظ بكميات كافية من المخزون من المواد الخام كاحتياط أمان لمواجهة ظروف عدم التأكد المحيطة بالتعاملات مع الموردين.
4. ترتيب المصنع : يتم تقليدياً تجميع الآلات في مجموعات حسب الوظيفة. فمثلاً يتم تجميع كل آلات الغزل في مكان معين، و آلات النسيج في مكان آخر، وآلات التبييض والصباغة في مكان ثالث. وبذلك، يتطلب هذا الترتيب الوظيفي للآلات أن يقطع الإنتاج تحت التشغيل مسافات طويلة للانتقال من مرحلة إلي أخرى حتى تكتمل عملية الإنتاج. وبطبيعة الحال، سيتوقف هذا الإنتاج في مناطق معينة للتجميع قبل نقله لمرحلة أخرى. بمعنى أن الترتيب الوظيفي التقليدي للآلات يؤدي إلي الاحتفاظ بكميات كبيرة من المخزون وتحويلها من مكان إلي أخر.
وعلي الرغم من هذه العوامل المنطقية التي تؤدي إلى ضرورة الإحتفاظ بكميات كبيرة من المخزون، إلا أنه من الناحية أخرى يؤدي الإحتفاظ بهذا المخزون إلى زيادة كبيرة في التكاليف مع كثرة المشاكل والمخاطر المصاحبة للاحتفاظ بالمخزون. وبطبيعة الحال, تخفيض كميات المخزون أو التخلص منه كلية يستلزم بالضرورة التخلص من هذه العوامل الأربعة التي تتسبب في وجوده. ونتيجة للجهود المبذولة في هذا المجال ظهر إلى الوجود نظام الإنتاج بالتوقيت المنضبط.
معنى التوقيت بالمنضبط The JIT Concept
بإفتراض ظروف مثالية، يمكن للشركة أن تشتري كل يوم كمية المواد الخام المطلوبة لعمليات الإنتاج في ذلك اليوم فقط، كما يمكن تخطيط عملية الإنتاج بحيث لا يوجد إنتاج تحت التشغيل في نهاية اليوم، بالإضافة إلى تسليم الإنتاج التام إلى العميل فوراً بمجرد الإنتهاء من الإنتاج بحيث لا يبقى مخزون من الإنتاج التام في نهاية اليوم. وبذلك يقصد بالتوقيت المنضبط أن يتم ضبط توقيت إستلام المواد على وقت إبتداء إستخدامها في عملية الإنتاج، و أن يتم ضبط توقيت الإنتهاء من الإنتاج على وقت تسليم أو شحن الإنتاج التام إلى العميل.
و يصبح السؤال هنا كيف يمكن للشركة أن تتخلص كلية من وجود مخزون من المواد الخام والأجزاء نصف مصنعة أمام مراحل أو خلايا أو أقسام الإنتاج وفي نفس الوقت تضمن التدفق المنتظم و الإنسياب التام في العمليات الصناعية في ظل تطبيق نظام التوقيت المنضبط ؟
وتتمثل الإجابة على هذا السؤال في القدرة على التحكم في تدفق المواد والإنتاج تحت التشغيل والإنتاج التام من خلال ما يسمى (مدخل الجذب pull approach)، في تصنيع المنتجات. و تسير عملية الإنتاج وفقاً لهذا المدخل كالآتي:
ترسل آخر مرحلة إنتاج إشارة إلى المرحلة التي تسبقها تحدد فيها الكميات المطلوبة من المواد والأجزاء نصف المصنعة التي تحتاجها هذه المرحلة الأخيرة خلال الساعات القليلة القادمة. و لا تستلم المرحلة الأخيرة من المرحلة التي تسبقها إلا الكميات المطلوبة فقط، لا أكثر ولا أقل. يترتب على ذلك أن تقوم المرحلة قبل الأخيرة بإرسال إشارة عكسية إلى المحطة التي تسبقها بنفس الطريقة إلى أن نصل إلى أول مرحلة إنتاجية ومنها إلى نقطة شراء المواد الخام. وبذلك نضمن التدفق المنتظم للأجزاء والمواد دون الحاجة إلى وجود مخزون في أي مرحلة حيث لن تعمل أي مرحلة إنتاجية إلا بناء على قوة الجذب من المرحلة التالية لها في الإنتاج. و لذلك يسير العمل في ظل نظام التوقيت المنضبط تحت شعار(مدخل الجذب) وهو: أن لا يتم إنتاج أي شيء، في أي مكان، لأي شخص إلا إذا كان هذا الشيء مطلوباً.
ويلاحظ أن (مدخل الجذب) المشار إليه يختلف كلياً عن (مدخل الدفع puch approach)، المطبق في نظم الإنتاج التقليدية. فيتم في نظم الإنتاج التقليدية تجميع المخزون من المواد الخام والأجزاء النصف مصنعة ثم دفعها إلى المرحلة التالية حتى ولو كانت هذه المرحلة مشغولة حالياً و لا تحتاج إلى هذه المواد والأجزاء إلا بعد أيام أو حتى أسابيع. ومن هنا يتراكم المخزون من المواد و الأجزاء نصف المصنعة أمام مراحل الإنتاج المختلفة.
العناصر الرئيسية في نظام التوقيت المنضبط :
يتطلب التطبيق الناجح لنظام التوقيت المنضبط وجود أو توافر خمسة عناصر أساسية وهي :
أولاً: يجب أن تعتمد الشركة على عدد محدود من الموردين بالإضافة إلى إلزام هؤلاء الموردين بعقود توريد طويلة الأجل. فتطبيق نظام التوقيت المنضبط يجعل الشركة على درجة كبيرة من الحساسية لأي تأخير في مواعيد إستلام المواد الخام أو الأجزاء نصف المصنعة. لذلك، يجب قصر و تركيز التعامل مع عدد محدود من الموردين الذين ثبت بالتجربة إمكانية الإعتماد عليهم في الإلتزام الحرفي بمواعيد إستلام المواد والأجزاء نصف المصنعة.
ثانياً: يجب أن يكون الموردين الذين تم إختيارهم على إستعداد للتوريد المتكرر على فترات صغيرة وبكميات صغيرة. فقد يستلزم الأمر في ظل نظام التوقيت المنضبط توريد عدة طلبيات صغيرة في نفس اليوم. ولا شك أن هذه الطريقة في الشراء تستلزم وجود خط إتصال دائم ومباشر بين الشركة وبين الموردين.
ثالثاً: يجب أن تطبق الشركة برنامج الجودة الشاملة على المواد الخام وعلى الأجزاء نصف مصنعة وبالتالي على المنتجات التامة. وكما نعرف أنه لا يوجد مسموحات للعيوب في هذا البرنامج. بمعنى الحصول على إنتاج بمستوى (صفر عيوب)، ويعتبر هذا البرنامج من الأركان الأساسية لنجاح نظام التوقيت المنضبط. فكل محطة إنتاج تقدم المواد أو الأجزاء التي تطلبها أو تجذبها المحطة التي تليها دون أي زيادة أو نقصان. يترتب على ذلك أن إكتشاف أي عيب في هذه المواد أو الأجزاء سيؤدي إلى توقف خط الإنتاج بأكمله.
رابعاً: يجب أن يتصف العمال في بيئة التوقيت المنضبط بتعدد وتنوع المهارات و المواهب. و يرجع السبب في ذلك إلى ترتيب الآلات والتجهيزات في بيئة التوقيت المنضبط سيختلف عن الترتيب التقليدي الوظيفي، فسيستلم نجاح نظام الإنتاج بالتوقيت المنضبط بالضرورة وجود نظام مرن للإنتاج. حيث يتم ترتيب الآلات والتجهيزات في نظم الإنتاج المرنة في شكل خلايا أو جزر صغيرة تشكل فيما بينها خطوط إنتاج متكاملة. ويتوقع من العامل الذي يعمل في خلية معينة أن تتوافر لديه القدرة والمهارة على تشغيل كل الآلات والتجهيزات التي تعمل في هذه الخلية.
خامساً: يجب التركيز على تبسيط أنشطة الإنتاج بحيث يتم اكتشاف الأنشطة غير الضرورية والتخلص منها. فيتصف نظام الإنتاج بالتوقيت المنضبط بإتصال وإستمرار عملية التصنيع من أولها إلي آخرها دون أي انقطاع أو توقف وذلك بهدف تطبيق نظام العمليات الإنتاجية المستمرة, مثل عمليات تصنيع الكيماويات, على كل عمليات التصنيع الخاصة بالمنتجات الأخرى. الإحتفاظ بالمخزون, وزيادة الإنتاجية والجودة.
و يقصد بوقت التصنيع الفترة الزمنية اللازمة لتحويل المواد الخام إلي منتجات تامة التصنيع. ويمكن التعبير عن وقت تصنيع منتج معين كالآتي :
وقت التصنيع = وقت التشغيل + وقت الفحص + وقت المناولة + وقت الانتظار.
ويلاحظ أن الوقت الوحيد الذي يضيف إلى قيمة المنتج هو وقت التشغيل. وقد أظهرت الدراسات أن وقت التشغيل في الكثير من المصانع يقل عن 10% من وقت التصنيع ككل. فقد وجدت هذه الدراسات أن وقت التصنيع الاجمالي خلال الشهر (22 يوم عمل) يشتمل على 8 ساعات فقط لوقت التشغيل الفعلي. أما الوقت المتبقي من وقت التصنيع الإجمالي فيستغرق في فحص جودة المواد والأجزاء نصف المصنعة, وفي المناولة أي تحويل المواد والأجزاء من مرحلة أو قسم إلى آخر, و في إنتظار المواد والأجزاء إما في المخازن أو على أرضية المصنع بين مراحل أو أقسام الإنتاج حتى يتم إستخدامها. لاحظ أن هذه الأنشطة لا تضيف إلى قيمة الإنتاج ولكنها في نفس الوقت تزيد من تكلفته.
ويفترض في نظام الإنتاج بالتوقيت المنضبط التخلص تماماً من الأنشطة غير الضرورية التي لا تضيف إلى قيمة المنتج بحيث يكون وقت التصنيع مساوياً تماماً لوقت التشغيل فقط. وقد يبدوا هذا الهدف بعيد المنال تماماً مثل هدف جودة بمستوى (صفر عيوب), إلا أنه يمكن النظر إليه على أنه وقت مستهدف يستحق بذل الجهود لتحويله إلى هدف واقعي يمكن تحقيقه عملياً. وزيادة في التأكيد على أهمية تخفيض وقت التصنيع من خلال التخلص من الأنشطة الأخرى والإبقاء علي وقت التشغيل فقط قامت الشركات اليابانية بإعادة كتابة المعادلة السابقة والتعبير عن وقت التصنيع كالآتي:
وقت التصنيع = وقت يضيف إلى القيمة + وقت لا يضيف إلى القيمة.
حيث يتمثل الوقت الذي يضيف إلى القيمة Value-added time في وقت التشغيل فقط, في حين تعتبر أوقات الفحص والمناولة و الإنتظار من الأوقات التي لا تضيف إلى القيمة non- value –added time, أي التي لا تؤثر على نظرة أو تقييم العملاء للمنتج المعين. فمثلاً, عند الرغبة في شراء جهاز تلفيزيون, يتم المفاضلة بين الماركات على أساس الأداء والجودة والسعر. ولا يهتم العميل على الإطلاق بالتكلفة التي تحملها المصنع في سبيل الفحص والمناولة و الإنتظار. وبذلك يؤدي التخلص من هذه الأنشطة غير الضرورية إلي تخفيض كبير في تكاليف الإنتاج دون التأثير على نظرة وتقييم العملاء لهذا الإنتاج.